اقتضت حكمة الخالق أن يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً لمن يشاء ويجعل من يشاء عقيماً فكثير من الأزواج ينتظرون مولوداً سنين عديدة إذا كان الحب يجمع بينهم أو يتهم كل واحد الآخر بأنه سبب العقم وتفشل الزيجات وتنتهي إما بالطلاق أو بتعدد الزوجات أملاً في الإنجاب والسعادة بزينة الحياة الدنيا ولكن بالمقابل لهذا ومن مفارقات الحياة العجيبة نرى الكثيرين من الأزواج لا يرغبون بالتضحية كآباء عندهم ما يشغلهم ويهمهم أكثر من هذه الزينة أو اكتفوا بما رزقهم الله وفشلوا في تطبيق مانع حمل مناسب إما لصعوبة منع الحمل وآثاره الجانبية العضوية والنفسية أو لإهمالهم ونسيانهم دقة هذا الموضوع فتراهم يلهثون خلف الأطباء طالبين النجدة للإجهاض والخلاص من تلك المصيبة وهي الحمل في غير وقته الذي يرغبون ولكأن الله يستشير أحداً إذا أراد لروح أن تخلق وكان خلقها مكتوب في اللوح المحفوظ منذ الأزل .
فهذه السيدة أم معن تريد متابعة دراستها العليا والحصول على الماجستر ولا تريد حملها أن يتم وتطلب الإجهاض السريع للتخلص مما يشغلها عن دراستها وليس عندها أولاد بعد وهذه طبيبة لها مشاغلها وصار عندها بنتان ولا تريد أكثر وابنتها صغيرة ترضع بعمر أربعة أشهر وفوجئت بأنها حامل وتفكر بالخلاص من هذا الحمل الذي سيرهقها ويؤثر على عملها وهذه أيضاً معلمة صار عندها ثلاث بنين وبنت ولا تريد أكثر وتم عندها الحمل وأغلقت كل أبواب الإقناع ولجأت لمن يعمل بالخفاء وتم لها الإجهاض كما أرادت ولم تدر بسخرية القدر الذي حرمها ابنها البكر بحادث سير عجيب .
أما أم معن اقتنعت بصعوبة بعزوفها عن فكرة الإجهاض وكان لها معن الذي وضعته في عيونها تربية وعشقاً ولم ترزق بذكر غيره فيما بعد وأما الطبيبة فرزقت بولد ذكرٍ وحمدت الله الذي وهبها إياه بعد أن ملت من كلام الناس ودعائهم لها بصبي يزين بنتيها وكأن البنات بحاجة للزينة في هذا المجتمع الذكوري .
وكثيرات أجهضن إجهاضات جنائية وكانت عاقبتهن الموت أثناء عملية الإجهاض نتيجة نهي عصبي أو النزف الشديد الصاعق ولا زلت أذكر ذلك الطبيب الذي احتار ماذا يفعل عندما توفت المريضة بعيادته أثناء إجراء عملية التجريف من أجل الإجهاض وأتخيل صعوبة موقفه عندما فر الزوج غير الشرعي هارباً وترك جثة امرأته المجهولة للطبيب الذي بلغ الشرطة بالحادثة حيث جاءت وساقته للسجن ثم اضطر بعدها لإغلاق عيادته والهجرة من هذا البلد .
هذا غير الكثيرات اللاتي تعرضن للعقم بعد هذا التجريف أو لالتهابات شديدة أدت للعقم أيضاً أو أصيبوا بنزوف مدى الحياة والندم حيث لا ينفع الندم .
لا شك أن عملية الإجهاض نجحت عند البعض ولكنها عند الكثيرات إذا لم تضر عضوياً نر أنها أضرت بصاحبتها نفسياً وتأنيب الضمير والندم على قتل ولد سيلازمها حتى في الأحلام .
والعظة الربانية التي تظهر أن إرادته فوق كل شيء نراها عند من أجهضت نفسها بعملية التجريف ولكنها بقيت في أعراض الحمل من إقياء وغثيان ولما صور الطبيب رحمها بالإيكو وجد أنها كانت حاملاً بتوأم جرف أحدهما وبقي الآخر على قيد الحياة فظلت بقية فترة حملها خائفة وتسأل إن كان الولد الثاني قد تعرض أثناء عملية التجريف لأذى كأن يكون فقد يداً أو رجلاً مثلاً ولم يطمئن قلبها إلا بعد الولادة وصارت تنصح الناس أن لا يفعلوا مثل فعلها لأن إرادة الله فوق إرادة الجميع ولولا دعاؤها وتوبتها لما رزقها الله بولد سليم .
ومن بين الحوادث الواقعية التي حدثت بعد عملية الإجهاض والتي لا يدركها عقل حادثة الطلاق والكراهية من الزوج بعد إجهاض زوجته سراً عنه ولا ندري لماذا كرهها عندما علم بالأمر وهجرها حتى تم الطلاق .
وأخيراً لابد من همسة في أذن من لا تريد ولداً أن تلجأ إلى أفضل موانع الحمل المناسبة لها باستشارة طبيبها المختص قبل أن يحدث الحمل ولكنه إذا حدث وفشل مانع الحمل وكانت صحتها لا تتأذى بهذا الحمل فعليها الاستسلام لمشيئة رب الأنام والدعاء أن يختار لها الله الخير فإما أن تجهض عفوياً أو تلد بسلام ولداً لا ترى مثله بين الغزلان .
د . هدى برهان طحلاوي